تحليل قصيدة هبوط أورفيوس إلى العالم السفلي/ عبدالوهاب البياتي

هبوط أورفيوس إلى العالم السفلي/ عبدالوهاب البياتي

القراءة التوجيهية
الرصيد المعرفي:
لم تقم الحركة الشعرية الحداثية على مفهوم تكسير البنية فحسب ، ولكنها تأسست على شق ثان أهم وهو ما يعرف بتجديد الرؤيا ، فالشاعر يجب أن يمتلك رؤيا خاصة للقضايا المحيطة به و بمجتمعه ، و الشاعر عبدالوهاب البياتي من الشعراء الذين اكتسبوا هذه الرؤيا وعبروا عنها في أشعارهم وخاصة في مسألة الموت والبعث التي انطلق منها كفكرة ليصل إلى حلم الانبعاث من قوقعة التخلف و الهزائم التي فرضت على الواقع العربي .
تأطير النص :
أ . صاحب النص :
ولد الشاعر العراقي عبدالوهاب البياتي عام م 1926، درس ببغداد لمتابعة تعليمه الثانوي ، ثم التحق بدار المعلمين العليا ، اشتغل بالتعليم والصحافة ، كما تقلد بعض المناصب الدبلوماسية ، ونظرا لعمله السياسي فقد تعرض لبعض المضايقات مما جعله يتنقل بين عدد من العواصم العالمية ، توفي سنة 1999م . من مؤلفاته نذكر الدواوين التالية ” أباريق مهشمة ” ” المجد للأطفال والزيتون ” ” أشعار في المنفى” ” الذي يأتي ولا يأتي ” .
ب . نوعية النص ومصدره :
قصيدة شعرية بنظام السطر الشعري يعبر فيها الشاعر عن رؤيته الشعرية تجاه الإنسان و قضاياه الوجودية و الحضارية وهي مأخوذة من ديوان عبدالوهاب البياتي ، ج 2 ( الكتابة على الطين) دار العودة – بيروت /1972، ص 428- 431 .
ج . ملاحظة العنوان ووضع الفرضية:
يحيل العنوان على الشاعر الأسطوري أورفيوس الذي استطاع بفنه و غنائه أن يحصل على إذن من كبير الآلهة “زيوس” لإنقاذ زوجته من العالم السفلي بشرط أن يمشي أولا و تسير وراءه دون أن يكون له الحق في النظر خلفه ، غير أن أورفيوس خالف هذا الشرط عندما التفت وراءه ليتأكد من وجود زوجته فاختفت على الفور ، ونحن نفترض أن توظيف الشاعر لهذا العنوان و بهذه الصيغة يحيل على ما يؤرق الإنسان في هذه الحياة ، وهو طبيعة وجوده وكيفية التخلص من الموت .
أنشطة الفهم
المحور العام:
أفكار النص :

1. رسم الشاعر صورة عن الظروف المحيطة بمدينة آشور ( وفاة الفارس دون حرب ، طيران الثور الخرافي الذي نطح الشمس ).

2. الحوار الذي دار بين أورفيوس و عشتار حول الحلم بحياة جديدة ودائمة .
3. تأكد الشاعر من فكرة عبثية هذه الحياة و ما يتلوها من موت .

أنشطة التحليل

المستوى الدالي :
وظف الشاعر لغة سهلة متداولة ركز فيها على الحقل الدلالي الخاص بالطبيعة ( الريح ، الثور ، أسحار ، الشمس ، القش ، الشوك ، السدود ) والحقل الدال على الزمان ( الليل ، فجر ، عصر ، الليالي ، الخريف ، العصور ، ساعاته ) والعلاقة بين الحقلين وثيقة نظرا لتضافر الطبيعة مع الزمان للتحكم في مصير الإنسان .
المستوى الدلالي :
اعتمد الشاعر في هذا النص مجموعة من الوسائل المستحدثة لبناء الصورة الشعرية كان الغرض منها هو التعبير عن رؤيا شخصية وتجربة خاصة ، و قد اتخذ أسطورة أورفيوس قناعا و مرتكزا لهذه الرؤيا ، كما أضاف إليها عددا من الرموز مثل عشتار ، الثور الخرافي ، الريح ، الشمس . وهذه الوسائل ساعدت على إغناء النص وجعل مضامينه قابلة للتوسع بفضل التأويل .
وقد اعتمد الشاعر أيضا الانزياح كوسيلة من وسائل الصورة الشعرية كما في قوله ( صلوات الريح في آشور ) و كذلك ( حاملا خصلة شعر الشمس تبكيها ) فهذه الأساليب تسمح أيضا بالتأويل و إثراء معاني النص .
غير أن توظيف الشاعر لهذه الوسائل المستحدثة لم يمنع من اعتماد الوسائل التقليدية كالتشبيه ( كالعصافير على حائط نور ) والاستعارة ( و بشطآن عصور- حيث شبه العصور بالبحر و حذف المشبه به ) .
المستوى التداولي :
ركز الشاعر على الجمل الخبرية التقريرية التي توافقت و طبيعة الحكي الموجودة في النص ، ولكن ذلك لم يمنعه من اعتماد عدد من الجمل الإنشائية كأسلوب الاستفهام ( فلماذا أنت في الكهف وحيد ؟) والتعجب ( ما أوحش ليلاتي ) والنداء ( أيها الثور الخرافي ) ، وهذه الجمل تحدد الطبيعة الانفعالية للشاعر ، كما انه زاوج كذلك بين الجملتين الاسمية التي استخدمها في عمليات الوصف والفعلية التي تدل على الحركة والفعل والحدث .
المستوى الإيقاعي :
من حيث الإيقاع الخارجي :
اعتمد الشاعر نظام السطر الشعري ذي الأطوال المختلفة باختلاف حالات الدفقة الشعورية ، وقد استخدم الوحدة الإيقاعية لبحر الرمل ( فاعلاتن ) ، كما نوع في القافية (/00) (/0/) والروي ( الدال – الراء – اللام ) .
من حيث الإيقاع الداخلي:
اعتمد فيه الشاعر تكرار الأصوات كالسين ، وتكرار بعض المدود الصوتية .
أنشطة التركيب
تميز هذا النص بمجموعة من مظاهر تكسير البنية من حيث اللغة والصورة الشعرية والبنية الإيقاعية ، غير أن الأهم من ذلك هو تعبيره عن رؤيا شعرية استخدم فيها الشاعر مجموعة من الوسائل كالرموز والأساطير ، وهي رؤيا عبر فيها الشاعر عن نظرته للإنسان من حيث كينونته الوجودية والحضارية التي قد تصل به أحيانا إلى التفكير في عبثية هذا الوجود الذي تبدو نهايته حتمية ، وإذا نقلنا هذه النظرة إلى الواقع العربي الذي يعيشه الشاعر نستطيع أن نقول بأن الضعف العربي المتواصل يجعل الشاعر يقف عند السؤال الصعب : هل يمكن الحديث عن انبعاث جديد ؟ وهل نستطيع أن نحترم كل شروط هذه العودة إلى الحياة ، أو أننا سنخفق كما اخفق أورفيوس في العودة بزوجته أوريديس إلى الحياة فقط لأنه أراد أن يتأكد من أنها ما تزال تتبعه إلى العالم العلوي .




شارك على جوجل بلس

عن maroc tk

هذه مساحة خاصة للتعريف عن الكاتب ونبذة مختصرة عن محتوى الموقع هذه مساحة خاصة للتعريف عن الكاتب ونبذة مختصرة عن محتوى الموقع هذه مساحة خاصة للتعريف عن الكاتب ونبذة مختصرة عن محتوى الموقع هذه مساحة خاصة للتعريف عن الكاتب ونبذة مختصرة عن محتوى الموقع

1 التعليقات: