تحليل قصيدة الرؤيا ص : 105 علي أحمد سعيد أدونيس (نص نظري)

المجزوءة الثانية : تكسير البنية وتجديد الرؤيا
2 ـ تجديد الرؤيا
نص نظري : قصيدة الرؤيا ص : 105 علي أحمد سعيد أدونيس

http://qu.edu.iq/spo/wp-content/uploads/2015/01/90c7c2ff6838e49f0675845628333ec4.jpg إشكالية القراءة :
توالت حركات التجديد الشعرية لتمنح الشعر في كل مرة مفهوما يخرق مكونات البناء الشعري الجاهز، ولم يقف التنظير للشعر عند تكسير بنيته، بل شمل مضامينه ورؤاه. فأصبحت القصيدة رؤيا تتطور بحسب نمو وكثافة الحقل الشعري ودرجة انفتاحه على العالم، ومستوى ثرائه وقدرته على التغيير والتعبير عن الوجود، حيث يتلاحم الحلم والرمز والأسطورة.
ولإضاءة شعر الرؤيا ظهرت العديد من الدراسات النقدية والتنظيرية التي حاولت التعريف به وبخصائصه الجديدة التي جعلته يختلف عن شعر تكسير البنية. وقد تمثل هذا المفهوم عدة نقاد، نذكر من بينهم حسن مخافي في كتابه " القصيدة الرؤيا" ومحمد الفارس في " الرؤيا الإبداعية في شعر صلاح عبد الصبور" وإدريس الزمراني في " أفق الرؤيا : مقاربات في النص والإبداع" وأحمد رحماني في " الرؤيا والتشكيل في الأدب المعاصر" ثم صبحي محيي الدين في " الرؤيا في شعر البياتي" . ويعتبر أدونيس أول من رسخ مفهوم شعر الرؤيا في النقد العربي . ولد بسوريا سنة 1930 . وبدأ حياته الشعرية والثقافية في بيروت . وقد نشأ في بيت صوفي على الطريقة الصوفية الجنبلانية * . وتتبنى هذه الطريقة نظرية التجلي، حيث حولها أدونيس إلى صوفية ميتافيزيقية، فشكلت موضوع رسالته حول الحلاج سنة 1954 . وقد تميزت ثقافته بالغزارة، فبالإضافة إلى ثقافته العربية نهل من الثقافة الغربية خصوصا من مدرسة فرانكفورت الألمانية، والشعر الرمزي والسوريالي والظاهراتية وغيرها. وقد شكلت مجلة " شعر "، التي أسسها مع يوسف الخال، منطلق تصوره للشعر الجديد . ومن خلال هذا التصور بلور شعره فجعله يتسم بالصوفية والرمزية ويمثل موقفا معرفيا من العالم . وعلى المستوى النقدي استلهم مفهوم الحداثة، وبحث عن جذوره في الشعر العربي، كما أعاد النظر في العديد من المسلمات النقدية والأدبية ، ومن ضمنها النموذج الشعري الكلاسيكي . وقد أنتج العديد من المؤلفات النقدية مثل الثابت والمتحول ـ الشعرية العربية ـ مقدمة للشعر العربي ..). والدواوين الشعرية مثل : ( قصائد أولى ـ هذا هو اسمي ـ مفرد بصيغة الجمع ..) . وكرس مشروعه الحداثي من خلال تأسيس مجلات ( شعر ـ آفاق ـ مواقف ) . النص الذي بين أيدينا مأخوذ من كتابه : " زمن الشعر " .
فما القضية التي يطرحها ؟ وما مفاهيمها وإطارها المرجعي الذي تستند إليه ؟
الملاحظة ورصد المشيرات :
ـ " قصيدة الرؤيا " العنوان تركيب تلازمي يبين شدة اقتضاء المضاف للمضاف إليه، وهو يوحي بالتطور الذي عرفته القصيدة المعاصرة من تكسير البنية إلى تجديد الرؤيا .
ـ وتتضمن الجملة الأولى في النص "لعل خير ما نعرف به الشعر هو أنه رؤيا " مفهوما مركزيا (الرؤيا)، يرتبط بدلالة العنوان بالإشارة إلى خصائص قصيدة الرؤيا .
صوغ الفرضية :
ـ من خلال المشيرات السابقة نفترض أن الإشكالية المطروحة في النص تتعلق بمفهوم الرؤيا في الشعر المعاصر، وأن الفرضية التي يمكن الانطلاق منها هي أن الرؤيا في الشعر المعاصر مرهونة باتصافه بخصائص الكشف والتمرد على الأشكال القائمة ...
الـــفـــــهـــــم :
ـ عرف الكاتب الشعر الجديد بالرؤيا، ومعنى الرؤيا أنها تغيير في نظام الأشياء وفي نظام النظر إليها، من هنا فالشعر الجديد تمرد على الأشكال والطرق القديمة ، إنه " الكشف عن عالم يظل أبدا في حاجة إلى الكشف " . والشاعر الجديد قلق متمرد متميز في الخلق، وشعره مركز استقطاب لمشكلات كيانية يعانيها في حضارته وفي نفسه .
ـ فالشعر الجديد نوع من المعرفة، إنه إحساس شامل بحضورنا، ودعوة لوضع الظواهر من جديد موضع البحث والشك، يحس بالأشياء إحساسا كشفيا وفقا لجوهرها وصميمها اللذين لا يدركهما العقل والمنطق، بل الخيال والحلم .
ـ يتميز شعر الرؤيا عن شعر الحادثة والوقائع باعتباره يتناول من ظواهر العصر أكثرها ثباتا وديمومة، فهو أقل ارتباطا بالزمان والمكان، إذ هو في غير حاجة إلى مواد محسوسة .
ـ والسمات المميز لشعر الرؤيا هي أنه :
• يفرغ الكلمة من ثقلها العتيق المظلم، ويشحنها بدلالات جديدة غير مألوفة .
• الشعر الجديد رؤيا للعالم تتجنب النظرة الجزئية، فكل رؤيا هي تجاوز للجزئية، إذ هي نظرة متخيلة جماعية .
• يتخلى عن الرؤيا الأفقية، ويتجاوز السطح، ويغوص في ما وراء ظواهر العالم، فيجعلنا بذلك نرى حيوية العالم وطاقاته المتجددة، ونتحد معه .
• يتخلى عن التفكك البنائي، ويستعيض عن التشابه والاستعارات بالصورة التركيبية : الصورة ـ الرمز، أو الصورة ـ الشيء .
• فالشكل الجديد من مقتضيات الشعر الجديد، فهو كيفية وجود، أي بناء فني، وهو ثانيا كيفية تعبير ، أي طريقة .
ـ من هنا فالشعر الجديد باعتباره كشفا ورؤيا غامض، متردد، لا منطقي، في حاجة دائمة للحرية في الشكل، ولكن دون الوقوع في فوضى الشكل، فالشعر الجديد يُبحث عنه في وظيفة الممارسة الشعرية .

التحليـــــل :
1 ـ الإشكالية المطروحة :
ـ إن قصيدة الرؤيا ليست تغييرا في مفهوم الشعر فحسب، وإنما هي أيضا تغيير في علاقة الإنسان بذاته وبالعالم من حوله، ويعارض هذا المفهوم مفهوم تقليدي يتميز بالنظرة الجزئية والأفقية للعالم، من هنا اختلاف وجهات النظر حول مفهوم الشعر الجديد وما يميزه عن الشعر التقليدي .
ـ والعالم الذي تخلقه هذه القصيدة / الرؤيا هو عالم الكشف واستشراف المستقبل : وذلك بما يزخر به من إمكانات تخييلية تمكنه من التنبؤ واستكشاف المستقبل ..
2 ـ المفاهيم والقضايا :
ـ اشتغل الكاتب على حقلين اصطلاحيين؛ حقل نقدي وآخر فلسفي :
الحقل النقدي الحقل الفلسفي
الحادثة، الرؤيا، الشعر الجديد، الخيالي، دلالة، التفكك البنائي .
ميتافيزيقيا، كيان، ديمومة، جوهر ..

ـ الحقل الذي وظفه الكاتب في خدمة الآخر هو الحقل الفلسفي، وذلك باعتباره يساهم في توضيح مقارنات الكاتب بين مفهومي الشعر الجديد والقديم .
ـ وبما أن مفهوم الرؤيا مركزي في النص، فإن الكاتب أضاءه بمجموعة من المفاهيم مثل :
تمرد : ويعني الثورة على الأعراف والتقاليد وكل ما هو مألوف ،
تجاوز : ويعني تجاوز المظاهر السطحية للأشياء إلى أعماقها، وكذا تجاوز الواقع في علاقته بالزمان والمكان ، فالشعر الجديد ليس شعر الحادثة والوقائع .
استشراف : ويعني أن الشعر الجديد استشراف للمستقبل بغية إيجاد صيغ حياتية ممكنة .
كشف : أي أنه تنبؤ ميتافيزيقي يحس بالأشياء إحساسا كشفيا وفقا لجوهرها وصميمها اللذين لا يدركهما العقل والمنطق، بل الخيال والحلم .
والسمات المشتركة بين هذه المفاهيم هي أنها تدل على مفهوم الحداثة وشعر الرؤيا (بما هو تغيير في نظام الأشياء ونظام النظر إليها، والكشف عن جوهرها، وأكثرها ديمومة، بلغة الإحساس والخيال والحلم ...)
ـ تفرعت قضية النص الأساس إلى قضايا أخرى يمكن تجسيدها في ما يلي :
رؤيا // رؤيا أفقية : وتعني أن الحياة مشهد أو ريف أو نزهة ..، والنظر إلى الأشياء باعتبارها أشكالا ووظائف، ثم إن العلاقة بين الإنسان والعالم شكلية ..
معنى الخلق والتوليد // معنى سردي وصفي : أي أنه يسرد الأشياء ويرتبها في الزمان، ويصفها في المكان وكأنها كيان مسطح له بعد واحد
الخيال والحلم // العقل والمنطق : فالعقل والمنطق يمكنان من تكوين معرفة موضوعية بالأشياء والحياة، بينما الخيال حدس للواقع بما هو إمكانات تتطور بشكل لا نهائي، يقوم بسبر أغواره الخفية التي لا تُدرك إلا بالخيال ..
ـ يمكن أن نستخلص من هذه القضايا السمات التي تميز شعر الرؤيا عن شعر الموضوع أو الموقف، وهي أنه يقوم على إبداع صيغ حياتية جديدة، تنطلق من الواقع بحس ثوري والكشف عن الخفي من خلال الظواهر العيانية السطحية المباشرة في الحياة .
3 ـ الإطار المرجعي :
صاغ الكاتب مفهوم الرؤيا استنادا إلى إطار مرجعي متنوع أطر أفكاره، ووسمها بالعمق النظري :
ـ التصوف : من خلال إشارته إلى مفهوم الكشف ؛
ـ السوريالية / ما فوق الواقعية : يريد أن يتحلل من واقع الحياة الواعية، يزعم أن فوق هذا الواقع أو خلفه نجد واقعا آخر أقوى فاعلية وأعظم اتساعا، وهو واقع اللاوعي ـ واقع المكبوت في داخل النفس البشرية، ويقوم على تحرير هذا الواقع وإطلاق مكبوته وتسجيله في الأدب والفن. وعلى التعبير الغامض التي يتوخى سبر كنه الأشياء المتوارية خلف مظهرها السطحي المباشر المتجلي للعيان .
ـ الرومانسية : مذهب أدبي يقوم على التحلل من كل الأصول والقيود مهما كان مصدرها، لكي تتحرر العبقرية البشرية وتنطلق على سجيتها.. تقوم على جموح الخيال وتشعب العاطفة .. ركزت على الذات وخصوصية الفرد النفسية والعاطفية .. إن الأدب، وخاصة الشعر، ليس محاكاة للحياة والطبيعة، بل خلقا، وأداة هذا الخلق ليست العقل ولا الملاحظة المباشرة، بل الخيال المبتكر أو المؤلف بين العناصر المشتتة في الواقع الراهن أو ذكريات الماضي، وفي إرهاصات المستقبل وآماله . والضابط هنا هو قوة الرؤيا الشعرية ووضوحها وعمقها على نحو يثير كوامن الشاعرية ويهز كيانه بحيث تصبح هذه الرؤية الشعرية بمثابة تجربة بشرية حقيقية صادقة . كما يؤكد هذا المذهب على التعبير الذاتي الصادق، والإعلاء من مكانة الحلم والخيال في التعبير عن الحياة والنفس. فالشاعر يساهم في رسم صورة للإنسان من خلال الثورة والتمرد على رواسب الماضي الثقافية والفنية ..
ـ الوجودية : مشتقة من كلمة الوجود، الذي يخالف الماهية، فماهية الشيء صورة مثالية مجردة سابقة على وجوده، وأن كل شيء إنما يُخلق على صورة ماهيته . لذا فالوجودية تنكر ماهية الإنسان، وتؤمن بوجوده فقط، وتحصر هذا الوجود في الحقيقة اليقينية الوحيدة وهي الكوجيتو الديكارتي " أنا أفكر، إذا لا يوجد شيء خارج هذا التفكير ولا سابق عليه "، وبالتالي لا توجد ماهية، ولا مثل عليا أو قيم أخلاقية عليا متوارثة أو عادات أو تقاليد لها صفة اليقين .
لذا لا بد للإنسان من التخلص من كل ذلك لينطلق في الحياة ويحقق وجوده، ويتخلص من عبء هذا التراث الديني الثقيل المتوارث وتحرير الإنسان وجعله سيدا لنفسه ومحققا لوجوده، إنها الحرية التي تترتب عنها المسؤولية و الالتزام بهدف وموقف أخلاقي واجتماعي محدد من كل حدث فردي أو اجتماعي أو وطني، وبذلك جعلوا القيمة الفنية والجمالية للأدب في المرتبة الثانية بعد القيمة الأخلاقية والاجتماعية الملتزمة، ( وليس أدب الرسالة، أو الفكرة )، فالأدب الملتزم لا يخترع قصة أو رسالة أو يبشر بقيمة من القيم، بل هو أدب يهدف إلى تصوير الواقع، ويقول بأن الوجودية ذاتها واقع راهن لا قيمة.
وإذا كانت الوجودية تزعم أن الإنسان قد تخلص من تراثه الأخلاقي المتوارث، أو يجب أن يتخلص، فإنها لم تغفل عن تحديد هدف للإنسان يحقق وجودَه على هديه، وهذا الهدف هو تحقيق الوجود ذاته، أي تحقيق الحياة الفردية ثم التضامن البشري، وذلك باعتبار أن حياة كل فرد مرتبطة بحياة غيره من الناس ومؤثرة فيها، بل ونموذج قد يحتذيه غيره من الناس .
هكذا فالوجودية ترتكز على ثلاثة أعمدة، هي : الحرية ، والمسؤولية ، والالتزام، لذا من الطبيعي أن تنتج عنها عدة نتائج أو مشاعر خطيرة يمسها الفرد في سلوكه عبر الحياة . وهذه المشاعر هي : القلق، والهجران (أي الشعور بأنه وحيد مهجور)، واليأس (وإن كان الوجودي يعيش من أجل العمل في حد ذاته، كالصائد الذي يتلذذ بعملية الصيد ذاتها أكثر مما يتلذذ بعصفور أو سمكة يأكلها بعد صيده لها) .

ـ الرمزية : لها ثلاث اتجاهات، يهمنا منها ذلك الذي يبحث في وظيفة اللغة (حيث ركز الكاتب على الشعرية)وإمكانياتها ومدى تقيدها بعمل الحواس وتبادل تلك الحواس، على نحو يفسح أمام الكاتب أو الشعر مجال اللغة وتسخيرها لتأدية وظائف الأدب . وهي في مجال الشعر الغنائي تسعى إلى خلق حالة نفسية خاصة والإيحاء بتلك الحالة في غموض وإبهام، والرمزية تكتفي بالإيحاء النفسي والتصوير العام عن طريق الرمز.
فالشاعر يلجأ إلى الخيال يقتنص بواسطته صورا رمزية تستطيع أن توحي بحالته النفسية وبما بينها وبين الطبيعة الخارجية من انسجام أو تنافر واصطدام . ويكون نسيج الشعر من الصور الرمزية التي تحتمل أكثر من تفسير واحد، لذلك لا بد من أن يأتي الشعر غامضا، ولكنه ليس غموض عجز عن الإدراك أو عن التعبير، بل غموض ناشئ عن الاحتمالات المختلفة التي ترقد خلف الرموز وتفلت من قبضته العقل الذي يسعى إلى الوضوح الجامع المانع، أي الذي يجمع كل عناصر الفكرة ويعزلها عن غيرها من الأفكار والمعاني على نحو ما تفعل الكلاسيكية .
فالرمزية تؤمن بعجز العقل الواعي عن إدراك الحقائق النفسية التي لا يستطيع أن يردها إلى عواملها الأولية، فالحقيقة النفسية مركبة، فكل تركيب تتوالد فيه خصائص لا تتوافر في عناصره المكونة له، وإنما تأتيه من عملية التركيب ذاتها، " فكل مركب تعدو وتتجاوز خصائصه خصائص عناصره المكونة له " فخصائص الماء كمكون مركب، ليست هي خصائص كل من العناصر المكونة له، وهي الأوكسيجين والإيدروجين .. وكما تُستعمل الرمزية للتعبير عن الحالات النفسية المركبة العميقة بفضل ممكنات اللغة وعملية نحت الصور والأخيلة منها ، فإنها قد تتخذ أيضا في الشعر الغنائي ذاته منهجا أوسع، من جزئيات الرموز والتعبيرات، وذلك بفضل الخيال الخالق الذي يستعين به الشاعر لتصوير رؤى شعرية تعبر عن مكنونات النفس وخواطرها .
4 ـ طرائق العرض :
ـ جمع الكاتب بين النقد الوصفي والنقد المعياري في عرضه لقضيته : ومثالهما في النص هو كالتالي :
النقد الوصفي : ـ وصف ماهية الشعر والقضايا المرتبطة بقضيته المركزية المطروحة في النص ـ المقارنة بين شعر الرؤيا وشعر الحادثة والوقائع . ـ وصف السمات المميزة لشعر الرؤيا.
النقد المعياري : - ويتجلى في وصف قصيدة الرؤيا بعيدا عن العاطفة والميل والتجرد من الخيال واعتماد لغة اصطلاحية دقيقة. فلا نجد في النص أفكارا مسبقة ، أو تنوعا في الأحكام وتباينها لاعتماده التأويل، أو خيالا ودلالات إيحائية، أو غير ذلك مما يحسب على النقد الانطباعي أو التفسيري أو الجمالي ...
ـ استعمل الكاتب أسلوب المقارنة والتمييز بين مقومات الشعر التقليدي والشعر الجديد / شعر الرؤيا وشعر الحادثة والوقائع.
ـ وإذا كان الشاعر قد استشهد بأقوال شعراء غربيين، فإن ذلك يعني تأثره بالثقافة الشعرية الغربية .
ـ والحجج الموظفة من قبل الكاتب للدفاع عن أطروحته هي :
ـ تعريف الشعر الجديد بالرؤيا، (الشعر الجديد نوع من المعرفة، إنه إحساس شامل بحضورنا، ودعوة لوضع الظواهر من جديد موضع البحث والشك، يحس بالأشياء إحساسا كشفيا وفقا لجوهرها وصميمها اللذين لا يدركهما العقل والمنطق، بل الخيال والحلم . إنه ميتافيزياء الكيان الإنساني ) . وبالتالي إبراز أهم سماته وخصائصه ومميزاته ( يتميز شعر الرؤيا عن شعر الحادثة والوقائع باعتباره يتناول في ظواهر العصر أكثرها ثباتا وديمومة، فهو أقل ارتباطا بالزمان والمكان، إذ هو في غير حاجة إلى مواد محسوسة ) .
ـ من هنا فالشعر الجديد باعتباره كشفا ورؤيا غامض، متردد، لا منطقي، في حاجة دائمة للحرية في الشكل، ولكن دون الوقوع في فوضى الشكل، فالشعر الجديد يُبحث عنه في وظيفة الممارسة الشعرية .
هذا إضافة إلى تحديد بعض صفات الشاعر الجديد (قلق متمرد متميز في الخلق، وشعره مركز استقطاب لمشكلات كيانية يعانيها في حضارته وفي نفسه) .
ـ التشابه : تعريف شعر الرؤيا بما بمقابلته بخصائص نقيضه (الشعر التقليدي)
ـ الاستناد إلى معايير جمالية في تحديد خصائص شعر الرؤيا .
ـ التضمن : التأكيد على أن ما ينطبق على الكل ينطبق على الجزء (لاحظ السمة الثالثة وهي التخلي عن الجزئية)
ـ اعتمد الكاتب طريقة استنباطية تحليلية، وتتجلى في بيان مفهوم الرؤيا عامة، ثم انتقل إلى الحديد عن تجلياتها في العناصر الجزية كالإحساس والحلم والخيال والصورة والتعامل مع الكلمة .. ووظيفة هذه الطريقة هي : تشويق القارئ إلى معرفة خصائص المفهوم بصدمه في البداية باصطلاحه العام، ثم الكشف عن حقيقته من خلال التدرج إلى وصف الجزئيات والخصائص لإقناعه بفاعلية الوصف .
التركيــــب :
ـ عرض الكاتب مفهوم قصيدة الرؤيا في سياق رده على معترضٍ ضمني، يُفترض أنه يتبنى مفهوم الشعر التقليدي، أو الشعر الحديث السطحي الذي يراهن على تغيير الشكل لادعاء التجديد، ولا شك أن مقصديته هي تأسيس مفهوم جديد للشعر يضع حدا فاصلا بين الشعر التقليدي وشعر الرؤيا الذي يقوم على حس المغامرة والكشف والثورة والتمرد على المواضعات الاجتماعية والأخلاقية والفنية والغموض ـ أقر الكاتب أن جوهر الرؤيا في الشعر الجديد هو الكشف ، والتمرد ، والتجاوز ، والاستشراف ..وهو ما يولد الشكل التعبيري ، وذلك من خلال توظيف مكونات القصيدة المتعلقة بالمضمون والصورة للتعبير عن الرؤيا .
ـ هكذا نتأكد من الفرضية التي انطلقنا منها وهي مراهنة الناقد على اعتبار شعر الرؤيا هو شعر الكشف والتمرد على الأشكال القائمة .
التقويــــم :
ـ تقول خالدة سعيد : " قصيدة / رؤيا .... للقبض على المصير " ص : 107 ك . م .
تتجلى الرؤيا عند خالدة سعيد في اتسام الشعر بخصائص الجدة وإبداع منظومة جديدة من القيم عن طريق تغيير العلاقة بين الكلمات بما تتيحه الرموز واللغة الانزياحية والبنية الاستعارية والتخييلية الجديدة، وكذا عن طريق تغيير علاقة الشاعر بالحياة والمجتمع والمحيط من حوله بحس شمولي يوسع أفق التعبير ويستشرف المستقبل بما هو آفاق إنسانية جديدة . انطلاقا من تناقضات الواقع والراهن، وصهر الفرد في الجماعة .
ـ وأدونيس يؤكد أن : " الأساسي هو الإبداع من أجل مزيد من الإضاءة، من الكشف عن الإنسان. الإبداع لا عمر له، لا يشيخ، لذلك لا يقيم الشعر بحداثته، بل بإبداعيته " (الشعر المعاصر ـ محمد بنيس ص 18) . إن الشعر عنده رؤيا ذات بعد فكري وروحي، وبناء إيقاعي لا عروضي يعتمد الوحدة ، ـ الشعر، والمعنى فيه المعنى لاحق ومتعدد (نفسه ص 39)
ـ ومفهوم الشعر عند أدونيس يتمثل فيما يلي : ـ الشعر رؤيا ذات بعد فكري وروحي ـ الشعر بناء يعتمد الوحدة ـ الشعر إيقاع لا عروض ـ اللغة الشعرية لازمة ـ المعنى الشعري لاحق ومتعدد .
ـ والنص الجيد هو النص الذي يترك مساحة فارغة لقارئة، كي يضيف إلى متنه لغة جديدة ووعياً جديداً، ليشعر القارئ المثقف تحديداً ، أنه يشارك في كتابة النص من خلال إعادة إنتاجه في مقاربة تفتح النص؛ ليصبح خطاباً مليئاً بالاحتمالات ، ومتوالية مليئة بالجماليات …على عكس النص الذي يموت بعد استهلاكه أو قراءته مباشرة.
الغموض في الشعر العربي :
" تمكنت التجربة الشعرية العربية الجديدة من إنشاء إمكانات واحتمالات غير معهودة لبناء صورة جديدة ومفهوم جديد للإنسان العربي والعالم بطرق جديدة .. وحدث انقلاب تغير فيه نظام الدلالة والمعنى، ونظام التعبير، ونظام الفهم .. أصبح الشاعر يسأل ويبحث، ويحاول خلق معنى جديد لعالمه الجديد. وهكذا لم تعد القصيدة الجديدة تقدم للقارئ أفكارا ومعاني، شأن القصيدة القديمة، وإنما أصبحت تقدم حالة، أو فضاء من الأخيلة والصور والانفعالات وتداعياتها. ولم يعد ينطلق من موقف عقلي أو فكري واضح وجاهز، وإنما أخذ ينطلق من مناخ انفعالي، نسميه تجربة أو رؤيا .
وإذا كان الغموض مسألة إيديولوجية لا نصية، فإنه مسألة فهم للإبداع من جهة، وموقف من الموروث، من جهة ثانية. والشاعر العربي الحديث ليس حدسيثا إلا بشرط أولي : تجاوز الموقف الإيديولوجي ـ الفني القديم ومتضمناته جميعا : مفهوم الشعر، ومفهوم الإبداع، والمعايير النقدية المنبثقة عنهما" . ( زمن الشعر ـ أدونيس ـ 278 ...)
شارك على جوجل بلس

عن maroc tk

هذه مساحة خاصة للتعريف عن الكاتب ونبذة مختصرة عن محتوى الموقع هذه مساحة خاصة للتعريف عن الكاتب ونبذة مختصرة عن محتوى الموقع هذه مساحة خاصة للتعريف عن الكاتب ونبذة مختصرة عن محتوى الموقع هذه مساحة خاصة للتعريف عن الكاتب ونبذة مختصرة عن محتوى الموقع
    تعليقات بلوجر
    تعليقات فيسبوك

0 التعليقات:

إرسال تعليق